الحوار الوطني في موريتانيا: فرصة أخيرة لإعادة تأسيس الجمهورية؟
خارطة الطريق للحوار الوطني تمثل فرصة نادرة لتحقيق توافق سياسي ومجتمعي شامل في موريتانيا. فهل تكون بداية إصلاح حقيقي أم مجرد تكرار؟
الحوار الوطني في موريتانيا
بقلم: فريق التحرير – رابـد إنفو
من خلف الخطابات الرسمية والممارسات السياسية المألوفة، تبرز خارطة الطريق التي قدمها منسق الحوار الوطني، موسى فال، كوثيقة منهجية وطموحة تحمل في طياتها إمكانيات مصيرية لمستقبل الديمقراطية في موريتانيا. فرغم طابعها الفني الظاهري، فإن هذه الوثيقة سياسية بامتياز، وتعكس لحظة صدق نادرة لبلد لا يزال يصارع لتجاوز خطوط التصدع الاجتماعية والتاريخية والمؤسسية التي تهدد نسيجه الوطني.
الحوار الوطني المقترح ليس تمرينًا إعلاميًا عابرًا، بل هو نتاج ضرورة سياسية ملحة، جاءت استجابة لتطلعات شرائح واسعة من المجتمع، تتوق إلى توافق وطني حقيقي يتجاوز الاستقطاب السياسي والانقسامات العرقية، ويعيد الثقة في قواعد اللعبة الديمقراطية.
خارطة الطريق تعكس نية واضحة في إشراك جميع الفاعلين السياسيين والاجتماعيين، بمن فيهم الأحزاب المعترف بها وغير المعترف بها، والمجتمع المدني، والشخصيات المستقلة، وممثلو الجاليات في الخارج. أما المواضيع المطروحة للنقاش، فبعضها بالغ الحساسية: العبودية وبقاياها، الإرث الإنساني، إصلاح نظام العدالة، الحوكمة الرشيدة، التعليم، الصحة، وتكافؤ الفرص.
لكن هل هذه الشمولية المعلنة ستترجم إلى شمولية فعلية في التنفيذ؟ وهل ستُمنح لكل الأطراف مساحة حقيقية للتعبير والتأثير؟ لقد سبق أن شهدنا حوارات عديدة في العقود الماضية، ولكن القليل منها أفضى إلى تغييرات ملموسة. السؤال الحقيقي هو: هل سيكون هذا الحوار قطيعة مع الماضي، أم مجرد نسخة أخرى من « إجماع فوقي » سرعان ما يُنسى؟
الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، بوصفه راعي هذه المبادرة، مطالب بأن يتجاوز دور الراعي الشكلي إلى فاعل محوري في التنفيذ. فالمجتمع السياسي الموريتاني يتطلع إلى إرادة رئاسية حازمة تتحدى الجمود وتترجم توصيات الحوار إلى إصلاحات مؤسساتية وتشريعية.
هذا الحوار قد يكون فرصة ذهبية لوضع أسس جديدة لعقد جمهوري يقوم على العدالة الاجتماعية، والمساواة بين جميع مكونات المجتمع، وإعادة الاعتبار للمؤسسات الدستورية. لكنه يتطلب شجاعة سياسية حقيقية، وصدقًا في النوايا، وإشراكًا فعليًا للمواطنين لا مجرد تمثيل رمزي.
إن موريتانيا اليوم أمام مفترق طرق حاسم. فإما أن يُكتب لهذا الحوار أن يكون بداية تحول ديمقراطي عميق، أو أن يُضاف إلى سلسلة طويلة من الفرص الضائعة.
المواطنون يراقبون… وسيحكمون.