
إفلاس الدولة
• في معرض الإجابة عن السؤال: هل يمكن أن تُفلس دولة؟ يمكن القول نعم. يُعلن الإفلاس عندما تعجز شركة ما عن سداد
ديونها. أما بالنسبة للدولة فيُستعمل عادة مصطلح « الدولة الفاشلة ». وتُوصَف الدولة بأنها « فاشلة » أو « عاجزة » عندما تواجه
انهياراً مالياً أو تصبح غير قادرة على أداء وظائفها السيادية المرتبطة بحفظ النظام العام. ويُعدّ مثال فنزويلا دليلاً واضحاً
على ذلك. ففي خمسينيات القرن الماضي كان ناتجها المحلي الإجمالي ضمن الأربعة الأوائل في العالم. وبفضل ثروتها
النفطية، كانت تتجاوز بكثير مستوى المعيشة في المملكة العربية السعودية. غير أن هذه الثروة تحوّلت إلى فقر مدقع؛ فمن
دولة كانت مؤهلة لأن تكون من القوى الكبرى، أصبحت فنزويلا دولة فقيرة لا يستطيع بعض سكانها تأمين وجبة واحدة في
اليوم. وقد اضطر عدد كبير من الفنزويليين إلى الهجرة بحثاً عن ظروف معيشية أفضل.
• رغم ثرائها الهائل بالنفط، الذي يشكّل خُمس الاحتياطي العالمي، ركّزت فنزويلا كل دخلها على الإنتاج النفطي وأهملت
باقي القطاعات الحيوية. فأصبحت أسيرة ثروتها نفسها، وهو ما يسميه الاقتصاديون « المرض الهولندي ». والمفارقة أن
تصدير الدولة لمنتجاتها قد يُحدث آثاراً سلبية تطال بعض قطاعات اقتصادها مثل العملة وأسعار السلع والخدمات. كما حاول
نظام هوغو تشافيز، المعروف بسياساته الزبائنية، تعويض انخفاض الإيرادات الناتج عن تراجع أسعار النفط عبر إصدار
كميات ضخمة من العملة. وكانت النتيجة كارثية، إذ شهدت البلاد تضخماً هائلاً بلغ مليون بالمئة. فالمنتج الذي كان سعره
10 دولارات أصبح سعره 100000 دولار. ولم يعد المال يساوي حتى الورق الذي يُطبع عليه. وهذا دليل على أن الثروة
الطبيعية لا تضمن بالضرورة الازدهار الاقتصادي.
• وبعيداً عن مقارنة موريتانيا بفنزويلا، فإن استغلال غازنا وثرواتنا الطبيعية المتعددة يجب أن يدفعنا إلى الحذر من أي
تضخم محتمل. فإذا استعرضنا معدل التضخم من 2005 إلى 2025، نلاحظ أولاً ذروة بلغت 12.1%، ما يشير إلى ارتفاع
كبير في الأسعار. وبين 2006 و2019 عاد التضخم إلى مستوى 2%-5%، وهو ما يعكس استقراراً نسبياً خلال تلك
الفترة. وفي عام 2022 عرفنا ارتفاعاً جديداً بلغ 9.5%، ربما بسبب زيادة أسعار المواد الأولية. وفي 2023-2025 عدنا
إلى المستويات العادية: 5% في 2023، و2.5% في 2024، لنصل إلى 1.8% في 2025. وإذا واصلت حكومة ولد جاي
(عمرها سنة ونصف) نهجها الصارم ومكافحتها لسوء الحوكمة، وتمكنت من السيطرة على آثار رفع دعم المحروقات، فمن
المتوقع أن تُنهي موريتانيا العام بوضع اقتصادي جيد.
• وتشير التوقعات لعام 2026 إلى احتمال ارتفاع الناتج المحلي 14% بفضل مبيعات الغاز. لكن هذا الارتفاع لا يعني
بالضرورة تحسّن القدرة الشرائية للأسر. فقد يُساهم هذا المورد الجديد في تعزيز المالية العامة، وزيادة احتياطي العملة
الصعبة، وتقليص الاعتماد على المعادن. كما قد يدعم نمو قطاعات أخرى مثل الصناعة والتجارة. ومع ذلك، تبرز مخاوف
أخرى في أفق 2026: كي يستفيد السكان فعلاً من الغاز، يجب أن تكون إدارته شفافة. كما أن تقلبات الأسعار قد تعيدنا إلى
فخ الاعتماد على التصدير. وستظل اقتصادنا هشّة ما لم نعمل على تطوير الزراعة والصيد والصناعة. ويبقى هذا التحوّل
الاقتصادي رهيناً – للأسف – بعقلياتنا. فلا بد من إعادة النظر في نمط حياتنا كله: احترام المال العام، عاداتنا الغذائية
واللباسية، مستوانا التعليمي… بكلمة واحدة، أسلوب حياتنا اليومي.
البوص



