جزر الكناري والساحل: نحو سياسة دولة جديدة من الضفة الأطلسية
في وقت يغرق فيه الساحل في دوامة من الأزمات المتعددة، تبرز جزر الكناري كنقطة وصل استراتيجية بين إفريقيا وأوروبا. في مقال تحليلي عميق، يدعو خوسيه سيغورا كلافيل، المدير العام لـ«كاسا إفريقيا»، إلى تبنّي سياسة دولة طموحة تُنفذ انطلاقًا من الأرخبيل، قائمة على التعاون، والحوار، والتنمية المشتركة. إننا أمام تحول جذري في النظرة الجيوسياسية.
الساحل: جار قريب وقضية عالمية
من موريتانيا إلى تشاد، تمثل منطقة الساحل مسرحًا للتوترات الجيوسياسية المعاصرة: انقلابات، تغيّر مناخي، أزمات إنسانية، تصاعد التطرف العنيف، وهجرات قسرية. كلّها تحديات، يؤكد سيغورا، لا يجب النظر إليها كتهديدات بعيدة، بل كواقع مترابط مع ضفتي المحيط الأطلسي.
جزر الكناري، الواقعة على بعد أقل من 100 كيلومتر من السواحل الإفريقية، تجد نفسها في قلب هذه الديناميكية. لا كحاجز أمني، بل كفاعل إقليمي مزوّد بخبرة مؤسسية ولوجستية وبشرية تؤهله ليكون مختبرًا لسياسات خارجية مبتكرة.
مبادرة سياسية يقودها الأرخبيل
ترتكز رؤية سيغورا على تطور ملموس تشهده جزر الكناري، لا سيما مع إعلان رئيس الحكومة المحلية، فرناندو كلافيخو، عن نية الأرخبيل لعب دور مركزي في السياسة الأوروبية تجاه منطقة الساحل. تأتي هذه الخطوة متزامنة مع استراتيجية إسبانيا – إفريقيا 2025–2028 و »استراتيجية جزر الكناري لإفريقيا » التي أطلقت بداية هذا العام.
الهدف هو تحويل الكناري إلى مركز إنساني، علمي، تعليمي، ولوجستي لمبادرات أوروبية موجهة للقارة الإفريقية، ضمن نهج يقوم على الشراكة والندية والاحترام المتبادل.
من الأقوال إلى الأفعال
ليست هذه الرؤية طموحًا نظريًا فحسب. فبرنامج مثل «تييرا فيرمي» مكّن بالفعل مئات الشباب السنغاليين من التكوين المهني والاندماج في سوق العمل، بدعم من التعاون الكناري. نموذج ناجح يبرهن، حسب سيغورا، على إمكانية الانتقال من منطق الاحتواء إلى منطق بناء الجذور والمستقبل.
ومن أبرز المبادرات المقترحة:
تعزيز مكانة « كاسا إفريقيا » كمركز أطلسي للتفكير والتكوين والتعاون بين أوروبا والساحل؛
دعم ريادة الأعمال والابتكار الاجتماعي في مجالات الزراعة البيئية، الطاقات المتجددة، المياه، والسياحة المستدامة؛
تكوين الكفاءات الإفريقية في الجامعات الكنارية في مجالات استراتيجية مثل الصحة العامة، الحوكمة، والأمن السيبراني؛
تفعيل الدبلوماسية المحلية عبر شبكات تعاون بين البلديات الكنارية ونظيراتها الإفريقية؛
إنشاء منتدى أطلسي دائم بين جزر الكناري ومنطقة الساحل للحوار السياسي والاجتماعي والجامعي.
من الهامش إلى القلب
بصفتها « منطقة خارجية نائية » للاتحاد الأوروبي، كانت جزر الكناري تُعتبر تقليديًا نقطة مراقبة أو جدارًا أماميًّا. أما اليوم، فالدعوة، كما يقول الأستاذ داغو كومانان، هي إلى التحول من حدود إلى جسور.
فالهجرة عبر الطريق الأطلسي أصبحت الأكثر فتكًا نحو أوروبا، والساحل يشهد أكثر من 50% من الوفيات الإرهابية عالميًا، وفق مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2024. الانتظار لم يعد خيارًا.
القيادة التضامنية وبناء الشراكة
يدعو سيغورا إلى استبدال سياسات الاحتواء بسياسات شراكة ذكية ودائمة، تقوم على المسؤولية المشتركة والقيادة الإيجابية. ويؤكد أن جزر الكناري لا تسعى إلى أخذ صلاحيات الدولة، بل إلى دعم السياسة الخارجية الإسبانية بمبادرات فاعلة وملموسة.
وكما كتب الصحفي خوسيه نارانخو: «لقد حان الوقت لنتحول من حدود إلى نقطة وصل، من جدار إلى أذن تسمع.»
خاتمة: فرصة مشتركة
رغم الأزمات، يشدد المقال على أن الساحل ليس فقط تحديًا، بل فرصة تاريخية لإعادة صياغة العلاقة بين أوروبا وإفريقيا على أسس الشراكة، والعدالة، والاحترام المتبادل. جزر الكناري، بما تملكه من موقع وخبرة وتطلعات، قادرة على لعب دور محوري في هذه المرحلة الحاسمة.
والفرصة هي الآن.
فريق تحرير « رابيد إنفو »، استنادًا إلى مقالة خوسيه سيغورا كلافيل
المصدر الأصلي: Diario de Avisos / El Español – 14 يوليو 2025