ملاحظات حول تقرير مسار تنظيم الحوار الوطني المرتقب
مذكرة من السيد ولد الغيلاني موجهة إلى المنسق العام للحوار الوطني، تناقش بشكل نقدي تقرير مسار الحوار المرتقب في موريتانيا، مع تركيز على قضايا الهوية والعدالة والحوكمة
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على النبي الكريم
إلى السيد موسى افال المنسق العام للحوار الوطني
الموضوع: ملاحظات حول تقرير مسار تنظيم الحوار الوطني المرتقب
السيد المنسق العام
بعد التحية والتقدير،
يسرني أن أرفع إليكم جملة من الملاحظات والتساؤلات التي أثارها التقرير الصادر عنكم مؤخراً لتحضير الحوار الوطني المرتقب.
أولاً:
نلاحظ بأسف شديد الغياب التام للغة العربية، اللغة الرسمية الوحيدة للبلد عن تحرير التقرير.
فهذا التجاهل لا مبرر له إطلاقا، ويعد خرقا للدستور ولمشاعر الشعب الموريتاني بأكمله.
ملاحظتي لا تتوقف عند هذا الحد بل هناك خطأ فادح آخر لا يمكن تجاوزه يتمثل في عدم طرح المكانة الطبيعية والحتمية للغة العربية في بلدنا وإلزامية استعمالها في الدوائر الرسمية للدولة ومؤسساتها وضرورة إدراجها في بنود مواضيع الحوار فاللغة العربية ليست مجرد وسيلة تواصل بين الموريتانيين فحسب بل هي ركن من الهوية الوطنية ومطلب شعبي جامع.
إن أقصاء اللغة العربية من أولويات الحوار خلل كبير يثير الشكوك حول مدي جدية الطرح ويعبر عن استخفاف بمطلب دستوري حاسم يمثل وجدان الشعب ويجب تصحيحه على الفور لضمان شمولية الحوار وشرعيته وعدالته.
ثانيا:
هناك كذلك تجاهل فاضح لمكانة المقاومة الوطنية الباسلة للاستعمار في هذا البلد.
لقد شكلت المقاومة الوطنية ضد الاستعمار لحظة حاسمة في تاريخ موريتانيا حيث سطر الأبطال من مختلف الجهات أروع ملاحم التضحية والفداء دفاعا عن الأرض والشرف والكرامة فتجاهل هذا البعد في التقرير تغافلا غير مفهوم ولا مقبول عن أحد أعمدة الهوية الوطنية ويضعف من شرعية أي حوار وطني لا يستحضر رموز ومآثر الشعب الموريتاني ضد الاحتلال والهيمنة الاستعمارية.
ثالثا:
حول الوحدة الوطنية:
يجب على الجميع أن يتيقن أن الوحدة الوطنية والعدالة الاجتماعية والإنصاف ليست شعارات دعائية ولا أدوات للاستغلال السياسي والطائفي لدى البعض، بل هي الجوهر والأساس للعقد الاجتماعي ومصدر استقرار لهوية البلد وأهله.
فيجب أن تكون هذه الحقائق أهدافا مشتركة لجميع أطياف الشعب الموريتاني بدون استثناء لا رصيدا ماكيافليا يوظف لأغراض ضيقة وأجندات مشبوهة ومكشوفة، يجب وجوبا وضع حد لها ولروادها.
رابعا:
نلاحظ غياب وضوح في المعايير المعتمدة لاختيار المشاركين في الحوار، مما يثير تساؤلات حول التوازن والتمثيل الحقيقي لمكونات الطيف السياسي والاجتماعي.
خامسا:
يسجل نقص في الشفافية بشأن جدول الأعمال ومحتوى المحاور، وهو ما يجعل التخوف مشروعاً من أن يكون هذا الحوار مجرد إجراء شكلي وتكرارا للحوارات السابقة.
سادسا:
ورد في تقريركم عبارات فضفاضة من قبيل إشراك الجميع والإجماع، دون تحديد آليات واضحة لتحقيق هذا الهدف. كما خلا التقرير من مؤشرات رقابة ومتابعة بعد انتهاء الحوار، وهو ما يقوض أي ضمان لتطبيق مخرجاته.
سابعا:
نرى أن إشراك قوى الشباب والمجتمع المدني يجب ألا يكون رمزياً، بل فعلياً وفاعلاً، من خلال إعطائهم مساحة حقيقية في التحضير والتقرير.
ثامنا:
بدل انتقاء مواضيع وقضايا تمت معالجتها من طرف الدولة الموريتانية (فترة الرئيسين سيدي ولد الشيخ عبد الله ومحمد ولد عبد العزيز)، هناك مسائل أخرى ذات أهمية استراتيجية بالغة وملحة أذكرها بإيجاز بالرغم من ضرورة تعميق دراستها لدورها البارز في تعزيز كيان الدولة:
– قضايا مردودية الثروات الطبيعية الهائلة للبلد التي لا وجود لتأثيرها الإيجابي على الواقع.
فبالنسبة لمعاش المواطنين وبالرغم من الخطابات الرسمية:
يلاحظ فقر متفاقم ورداءة في وسائل المعاش والسكن وغياب فرص التشغيل وانتشار البطالة وضعف الرواتب والانقطاعات الدائمة للماء والكهرباء عن أحياء المدن والقري.
– ضعف التغطية الصحية وتوريط القطاع الخاص في الميدان بدل أن يبقي هذا القطاع تحت الإدارة والإشراف المباشر والكامل للدولة.
– ضعف الوسائل المادية والبشرية لقطاع التربية الوطنية يعد عائقا كبيرا في طريق النهوض بالبلد، ويعد هذا الوضع من الأسباب الأساسية للتسيب المدرسي والتفريط في تهيئة الأجيال لمستقبل أفضل وواعد.
– هناك مسألة البني التحتية الحديثة وعصرنة أجهزة الدولة والمدن والقرى، فيجب طرحها كإحدى أولويات الحوار، فالواقع لا يوحي بمجهود لافت في هذا المجال.
– مسائل البيئة والأمن الداخلي والخارجي والجريمة وهجرة الأجانب إلى موريتانيا التي أصبحت مستوطنة لهم، وهجرة الشباب إلى الخارج، وضرورة الوقف التام للقروض الخارجية، والحد من الإنفاق غير المبرر والبيروقراطية ومعالجة مشاكل القضاء الناجمة عن تراكم الملفات وبطء حسم النزاعات وصعوبة تطبيق الأحكام، وعيوب الإدارة، مسائل عالقة لا بد من بحثها ومناقشتها بجدية واتخاذ قرارات حاسمة بشأنها.
– من الأولويات كذلك مسائل خطيرة وتهدد السلم العام وتنخر جسم الدولة والمجتمع: مكافحة اختلاس ونهب الأموال العمومية والإثراء بلا سبب وتبييض الأموال وانتشار المخدرات.
– طرح مسألة أزمة الوظيفة العمومية:
فلا بد من خطة انتقالية للحفاظ على المكاسب المهنية المتحصلة من تجارب عمل الرجال والنساء الذين خدموا البلد بإخلاص ومسؤولية وسط ظروف قاسية وذهبوا بذلك الرصيد الهائل من تجارب ومعلومات وقدرات ثمينة.
فيجب أولا إنصافهم في المعاشات الهزيلة الممنوحة لهم وإعادة الاعتبار إليهم وتوظيفهم في توجيه وتأطير الأجيال الناشئة من الموظفين والموظفات الشباب، وتشمل هذه الملاحظات الأخيرة كافة القطاعات المدنية والعسكرية.
تاسعا وأخيراً:
أمام التحديات المتصاعدة إقليميا ودوليا نقترح على منظمي الحوار إدراج موضوع الأمن والدفاع الوطني عبر تحديث وتطوير المنظومة الدفاعية على أساس الردع والتخطيط الاستراتيجي الطويل المدي.
فهذه الإجراءات من شأنها تعزيز السيادة الوطنية داخليا وخارجيا.
السيد المنسق العام،
إننا إذ نثمّن مبدأ الحوار، نؤكد أن أي مسار لا يتسم بالجدية، والإنصاف، والمصداقية والإجماع سيكون بمثابة تفويت فرصة تاريخية لتعزيز الثقة المفقودة، وبناء عقد وطني جامع.
وفي الأخير تفضلوا بقبول فائق التقدير والاحترام.
نواكشوط بتاريخ 29/06/2025
السيد ولد الغيلاني