العالم

هروب نتنياهو إلى الأمام

هروب نتنياهو إلى الأمام

نتنياهو

على أنقاض البيوت المدمّرة وأجساد الأطفال، يكتب بنيامين نتنياهو فصلًا جديدًا من فشله السياسي والعسكري.
إنها المأساة ذاتها التي تتكرر منذ عقود؛ قادة يائسون يبحثون عن انتصارات وهمية على جثث الأبرياء، وشعبٌ أعزل يكتب ملحمة صموده بأحرف من نور ودم.

من قاعة المحكمة إلى ساحة المعركة

في مشهد مألوف يتكرر كلما اشتدت الأزمات الداخلية، يعود رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى أدواته المفضلة: التصعيد العسكري، والاستقطاب السياسي.
فبعد حوالي عامين من الفشل الذريع في تحقيق أي من الأهداف المعلنة لـ”القضاء على المقاومة”، وبعد هزيمة 7 أكتوبر التي شكلت صفعة قاسية للاستخبارات والعسكرية الإسرائيلية، يلجأ نتنياهو إلى خيار محاولة احتلال غزة كمنقذ شخصي من محاكمة وشيكة وهزيمة انتخابية محتملة، وذلك باستدعاء 60 ألفًا من جنود الاحتياط.

يواجه نتنياهو اتهامات بالفساد وقضايا قانونية قد تعني نهاية مسيرته السياسية وسجنه، وقد أثبت التاريخ السياسي الإسرائيلي أن القادة يستخدمون الحروب ستارًا للهروب من المساءلة الداخلية.
واليوم، يبدو أن نتنياهو يعيد نفس السيناريو، حيث يحاول تحويل الأنظار عن فشله في 7 أكتوبر، وعن قضاياه القانونية، عبر تصعيد عسكري مكلف.

المفارقة المأساوية تكمن في أن الرجل الذي لم يستطع في عامين كاملين تحرير أسير واحد أو تحقيق نصر عسكري حقيقي، يريد الآن أن يدفع بآلاف الجنود إلى مصير مجهول في شوارع غزة الضيقة.
إنها معادلة سياسية مألوفة: عندما لا تستطيع مواجهة محاكمة في الداخل، ابحث عن حرب في الخارج.

وقد كشفت مفاوضات وقف إطلاق النار التي تجري برعاية مصرية وقطرية عن تناقض صارخ في المواقف؛ فبينما وافقت حركة حماس والفصائل الفلسطينية على مقترح وقف إطلاق النار، يعارض نتنياهو ويصر على استمرار الحرب.
وهذا الرفض ليس سوى دليل إضافي على أن الهدف الحقيقي ليس تحرير الأسرى أو “تدمير حماس” كما يزعم، بل محاولة يائسة لتحقيق نصر عسكري يمكنه أن يبرر فشله ويؤجل محاكمته.

دروس فيتنام.. عندما تتحول الأرض إلى جحيم

التاريخ يعيد نفسه، لكن القادة المتعجرفين لا يتعلمون منه أبدًا. ففي ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، أرسلت الولايات المتحدة مئات الآلاف من جنودها إلى غابات فيتنام، معتقدة أن تفوقها التكنولوجي والعسكري سيمكّنها من كسر إرادة شعبٍ يؤمن بحقه في الحرية.
لكن النهاية كانت مذلّة؛ أكثر من 58 ألف جندي أمريكي قتلوا، وآلاف آخرون عادوا مصابين ومحطّمين نفسيًّا وجسديًّا، وانتهت الحرب بانسحاب أمريكا مهزومة أمام إرادة شعبٍ لم يستسلم.

اليوم، يبدو أن نتنياهو لم يقرأ تاريخ فيتنام، أو يعتقد أن شعبه نسي كيف انتهت حرب لبنان 2006، وحروب غزة 2008، و2012، و2014؛ ففي كل مرة خرج جيش الاحتلال الإسرائيلي –رغم قوته الجوية الساحقة– محطّمًا معنويًّا وغير قادر على تحقيق أي من أهدافه المعلنة.

ففي اللحظة التي ينزل فيها الجنود الإسرائيليون إلى شوارع غزة، يكونون قد فقدوا أهم أوراقهم: التفوق الجوي. وفي الأحياء الضيقة والأنفاق المعقدة تتحول أحدث الدبابات والمجنزرات إلى فخاخ موت محتملة.
فالمقاومة الفلسطينية، التي أمضت سنوات في تحضير الأرض لمعركة المصير هذه، تعلم جيدًا كيف تحول كل شارع إلى كمين، وكل مبنى إلى ساحة قتال، وكل نفق إلى كابوس للجنود المحتلين.

صمود يحير العالم.. والفشل يلاحق الطغاة

ما الذي يجعل شعبًا محاصرًا منذ 17 عامًا، يعيش تحت القصف اليومي، ويواجه أحد أقوى الجيوش في العالم، يرفض الاستسلام؟
الإجابة بسيطة ومعقدة في الوقت نفسه: إنها الإرادة التي لا تُقهر، والإيمان بعدالة القضية، والاقتناع بأن الحرية لا تُمنح، بل تُؤخذ.


محمد عبد الشكور
كاتب وصحفي مصري، عضو نقابة الصحفيين المصريين

قناة الجزيرة مباشر

Laisser un commentaire

Articles similaires